فصل: بَابٌ فِيمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي الْعَرُوضِ:

(الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي) (عُرُوضِ التِّجَارَةِ) (كَائِنَةً مَا كَانَتْ، إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ الْوَرِقِ أَوْ الذَّهَبِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهَا «يُقَوِّمُهَا فَيُؤَدِّي مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ» وَلِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلِاسْتِنْمَاءِ بِإِعْدَادِ الْعَبْدِ، فَأَشْبَهَ الْمُعَدَّ بِإِعْدَادِ الشَّرْعِ، وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لِيَثْبُتَ الْإِعْدَادُ.
ثُمَّ قَالَ: (يُقَوِّمُهَا بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ) احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِي الْأَصْلِ خَيْرُهُ، لِأَنَّ الثَّمَنَيْنِ فِي تَقْدِيرِ قِيَمِ الْأَشْيَاءِ بِهِمَا سَوَاءٌ، وَتَفْسِيرُ الْأَنْفَعِ أَنْ يُقَوِّمَهَا بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِمَا اشْتَرَى إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ لِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَالِيَّةِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ النُّقُودِ قَوَّمَهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَهْلَكِ.
(وَإِذَا كَانَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ) لِأَنَّهُ يَشُقُّ اعْتِبَارُ الْكَمَالِ فِي أَثْنَائِهِ، أَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ابْتِدَائِهِ لِلِانْعِقَادِ وَتَحَقُّقِ الْغِنَى، وَفِي انْتِهَائِهِ لِلْوُجُوبِ، وَلَا كَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَالَةُ الْبَقَاءِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَ الْكُلُّ حَيْثُ يَبْطُلُ حُكْمُ الْحَوْلِ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِانْعِدَامِ النِّصَابِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، لِأَنَّ بَعْضَ النِّصَابِ بَاقٍ، فَيَبْقَى الِانْعِقَادُ.
الشرح:
فصلٌ فِي الْعُرُوضِ:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يُقَوِّمُهَا يَعْنِي عُرُوضَ التِّجَارَةِ فَيُؤَدِّي مِنْ كُلِّ مِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ».
قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ، وَمَوْقُوفَةٌ، فَمِنْ الْمَرْفُوعَةِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا خُبَيْبِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ»، انْتَهَى.
سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: خُبَيْبِ هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ إلَّا جَعْفَرَ بْنَ سَعْدٍ، وَلَيْسَ جَعْفَرٌ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مُتَعَقِّبًا عَلَى عَبْدِ الْحَقِّ، فَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ: حَدِيثَ «مَنْ كَتَمَ غَالًّا فَهُوَ مِثْلُهُ»، وَسَكَتَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدٍ هَذَا عَنْ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، فَهُوَ مِنْهُ تَصْحِيحٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ لَمْ يَعْرِفْ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِحَالِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ رَبِيعَةُ، وَابْنُهُ خُبَيْبِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِهِ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالرَّقِيقِ، الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الَّذِي هُوَ تِلَادُهُ، وَهُمْ عَمَلَةٌ لَا يُرِيدُ بَيْعَهُمْ، أَنْ لَا يُخْرِجَ عَنْهُمْ الصَّدَقَةَ، وَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي الْحُسَامِ ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَزِّ أَوْ تِبْرٍ صَدَقَتُهُ، وَمَنْ رَفَعَ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ فِضَّةً، لَا يُعِدُّهَا لِغَرِيمٍ، وَلَا يُنْفِقُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وَقَالَ الْحَاكِمُ: تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، وَقَالَ: كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَانِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَاهُ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ الْكَبِيرِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، هُوَ يَقُولُ: حَدَّثْت عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَنَسٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: ابْنُ جُرَيْجٍ مُدَلِّسٌ، لَمْ يَقُلْ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ يَرْجِعُ إلَى عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِيمَنْ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ عَلَى شَرْطِهِمَا؟، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ بِهِ، وَفِي آخِرِهِ: «وَفِي الْبَزِّ صَدَقَةٌ»، قَالَهَا بِالزَّايِ، انْتَهَى بِحُرُوفِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ:
الْأَوَّلُ: فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَلَا يُعْرَفُ حَالُهُ.
وَالثَّانِي: فِيهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: فَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ يَحْيَى بْنُ مُوسَى الْبَلْخِيّ الْمَعْرُوفُ بِبُخْتٍ وَهُوَ ثِقَةٌ، كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا الِانْقِطَاعُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْت: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ بِهِ، وَهَذَا فَاتَ الشَّيْخَ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَقَدْ ذَكَرَ سَنَدَيْ الدَّارَقُطْنِيِّ: الْإِسْنَادُ الَّذِي فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَصْلَحُ مِنْ إسْنَادِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، مَعَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُعَاوِيَةَ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.
وَلَكِنَّ مُوسَى بْنَ عُبَيْدَةَ أَشَدُّ ضَعْفًا مِنْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَحِلُّ عِنْدِي الرِّوَايَةُ عَنْهُ.
وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الَّذِي ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ وَلَدِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، يَرْوِي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَأَمَّا رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ الْجُمَحِيُّ، وَهُوَ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إنَّهُ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، بَلْ هُوَ مَشْهُورٌ، رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمَا، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِمَامِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي نَقَلْت مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ لَيْسَ فِيهِ: الْبَزُّ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَفِيهِ ضَمُّ الْبَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَيَحْتَاجُ إلَى كَشْفِهِ مِنْ أَصْلٍ آخَرَ مُعْتَبَرٍ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْأُصُولُ عَلَى ضَمِّ الْبَاءِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَسْأَلَةِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ، انْتَهَى.
وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي مُسْنَدِ الدَّارَقُطْنِيِّ قَالَهَا بِالزَّايِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: هُوَ بِالْبَاءِ وَالزَّايِ وَهِيَ الثِّيَابُ الَّتِي هِيَ أَمْتِعَةُ الْبَزَّازِ، قَالَ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ صَحَّفَهُ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ غَلَطٌ، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ: وَسَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَذْكُورُ فِي سَنَدِ الْحَاكِمِ مَدِينِيٌّ، كُنْيَتُهُ: أَبُو عُمَرَ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ مِنْ عِمْرَانَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا الْمَوْقُوفَةُ:
فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حِبَّانَ، وَكَانَ عَلَى جِوَارِ مِصْرَ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ، وَسُلَيْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَر أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ اُنْظُرْ مَنْ مَرَّ بِك مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَةِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ، فَدَعْهَا، وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَمَنْ مَرَّ بِك مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ، فَدَعْهَا، وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ كِتَابًا، إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: زُرَيْقٌ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِي تَقْدِيمِ الزَّايِ فِيهِ عَلَى الرَّاءِ وَبِالْعَكْسِ، فَقِيلَ: إنَّ أَهْلَ مِصْرَ، وَالشَّامِ يُقَدِّمُونَ الزَّايَ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُقَدِّمُونَ الرَّاءَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَهْلُ مِصْرَ، وَالشَّامِ أَعْلَمُ بِهِ، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَبْدُ الْغَنِيِّ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ وَزُرَيْقٌ لَقَلْبٌ لَهُ، وَاسْمُهُ: سَعِيدٌ، وَكُنْيَتُهُ: أَبُو الْمِقْدَامِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: «كُنْت أَبِيعُ الْأُدْمَ وَالْجِعَابَ، فَمَرَّ بِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَدِّ صَدَقَةَ مَالِكَ، فَقُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَدَمِ، قَالَ: قَوِّمْهُ، ثُمَّ أَخْرِجْ صَدَقَتَهُ»، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ ثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «فِي كُلِّ مَالٍ يُدَارُ فِي عَبِيدٍ، أَوْ دَوَابَّ، أَوْ بَزٍّ لِلتِّجَارَةِ، تُدَارُ الزَّكَاةُ فِيهِ كُلَّ عَامٍ»،انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ، قَالُوا: فِي الْعُرُوضِ تُدَارُ الزَّكَاةُ كُلَّ عَامٍ، لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الزَّكَاةُ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ الشَّهْرُ عَامَ قَابِلٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ، إلَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ، انْتَهَى.
قَالَ (وَتُضَمُّ قِيمَةَ الْعُرُوضِ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَتَّى يَتِمَّ النِّصَابُ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ التِّجَارَةِ، وَإِنْ افْتَرَقَتْ جِهَةُ الْإِعْدَادِ.
(وَيُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ) لِلْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ سَبَبًا.
ثُمَّ يُضَمُّ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَهُمَا بِالْأَجْزَاءِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، حَتَّى إنَّ مَنْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، هُمَا يَقُولَانِ: الْمُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْقَدْرُ دُونَ الْقِيمَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي مَصُوغٍ وَزْنُهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْنِ وَقِيمَتُهُ فَوْقَهَا، وَهُوَ يَقُولُ: إنَّ الضَّمَّ لِلْمُجَانَسَةِ، وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ دُونَ الصُّورَةِ فَيُضَمُّ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابٌ فِيمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ:

(إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ فَقَالَ: أَصَبْته مُنْذُ أَشْهُرٍ، أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ، وَحَلَفَ، صُدِّقَ) وَالْعَاشِرُ: مَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ التُّجَّارِ، فَمَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ تَمَامَ الْحَوْلِ أَوْ الْفَرَاغَ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ مُنْكِرًا لِلْوُجُوبِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ (وَكَذَا إذَا قَالَ: أَدَّيْتهَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ) وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ، لِأَنَّهُ: ادَّعَى وَضْعَ الْأَمَانَةِ مَوْضِعَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَاشِرٌ آخَرُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ (وَكَذَا إذَا قَالَ: أَدَّيْتهَا أَنَا) يَعْنِي إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ، لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فِيهِ، وَوِلَايَةُ الْأَخْذِ بِالْمُرُورِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي صَدَقَةِ السَّوَائِمِ فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ.
وَفِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: أَدَّيْت بِنَفْسِي إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ حَلَفَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلسُّلْطَانِ، فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ.
ثُمَّ قِيلَ: الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ الثَّانِي: وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
ثُمَّ فِيمَا يُصَدَّقُ فِي السَّوَائِمِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ لَمْ يَشْتَرِطْ إخْرَاجَ الْبَرَاءَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَشَرَطَهُ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ ادَّعَى، وَلِصِدْقِ دَعْوَاهُ عَلَامَةٌ فَيَجِبُ إبْرَازُهَا، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَامَةً.
قَالَ: (وَمَا صُدِّقَ فِيهِ الْمُسْلِمُ صُدِّقَ فِيهِ الذِّمِّيُّ) لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ، فَتُرَاعَ تِلْكَ الشَّرَائِطُ تَحْقِيقًا لِلتَّضْعِيفِ (وَلَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي الْجَوَارِي يَقُولُ: هُنَّ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي، أَوْ غِلْمَانٌ مَعَهُ يَقُولُ: هُمْ أَوْلَادِي) لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْحِمَايَةِ، وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ، غَيْرَ أَنَّ إقْرَارَهُ بِنَسَبِ مَنْ فِي يَدِهِ مِنْهُ صَحِيحٌ فَكَذَا بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ، لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَيْهِ، فَانْعَدَمَتْ صِفَةُ الْمَالِيَّةِ فِيهِنَّ، وَالْأَخْذُ لَا يَجِبُ إلَّا مِنْ الْمَالِ.
قَالَ: (وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبْعُ الْعُشْرِ، وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرُ) هَكَذَا أَمَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُعَاتَهُ (وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْ مِثْلِهَا) لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ زَكَاةٌ أَوْ ضِعْفُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّصَابِ، وَهَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ: لَا نَأْخُذُ مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْهُ، لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَمْ يَزُلْ عَفْوًا، وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ.
الشرح:
بَابٌ فِيمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ:
قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبْعُ الْعُشْرِ، وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرُ، هَكَذَا أَمَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُعَاتَهُ.
قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: بَعَثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى الْأَيْلَةِ، فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمِمَّنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ. انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، وَمَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ بِهِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي صَخْرَةَ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى عَيْنِ التَّمْرِ مُصَدِّقًا، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا بِهَا لِلتِّجَارَةِ رُبْعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ، انْتَهَى.
وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَامَانَ الجنديسابوري ثَنَا زُنَيْجٌ أَبُو غَسَّانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَلَّى ثَنَا أَشْعَثُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَفِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَفِي أَمْوَالِ مَنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ»، انْتَهَى.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يُسْنِدْ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَلَّى تَفَرَّدَ بِهِ زُنَيْجٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَيُّوبُ، وَسَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَخُبَيْبُ بْنُ الشَّهِيدِ، وَالْهَيْثَمُ الصَّيْرَفِيُّ، وَجَمَاعَةٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَضَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ.
قَالَ (وَإِنْ) (مَرَّ حَرْبِيٌّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَلَا يُعْلَمُ كَمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا) (نَأْخُذُ مِنْهُ الْعُشْرُ) لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنْ أَعْيَاكُمْ فَالْعُشْرُ (وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهُ مِنَّا رُبْعَ عُشْرٍ أَوْ نِصْفَ عُشْرٍ نَأْخُذُ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْكُلَّ لَا نَأْخُذُ الْكُلَّ) لِأَنَّهُ غَدْرٌ (إنْ كَانُوا لَا يَأْخُذُونَ أَصْلًا لَا نَأْخُذُ) لِيَتْرُكُوا الْأَخْذَ مِنْ تُجَّارِنَا، وَلِأَنَّا أَحَقُّ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنْ أَعْيَاكُمْ، فَالْعُشْرُ.
قُلْت: غَرِيبٌ، قَالَ (وَإِنْ مَرَّ الْحَرْبِيُّ عَلَى عَاشِرٍ فَعَشَرَهُ، ثُمَّ مَرَّ مَرَّةً أُخْرَى لَمْ يُعَشِّرْهُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ) لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اسْتِئْصَالُ الْمَالِ، وَحَقُّ الْأَخْذِ لِحِفْظِهِ، وَلِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ الْأَوَّلِ بَاقٍ، وَبَعْدَ الْحَوْلِ يَتَجَدَّدُ الْأَمَانُ، لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ إلَّا حَوْلًا، وَالْأَخْذُ بَعْدَهُ لَا يَسْتَأْصِلُ الْمَالَ.
(وَإِنْ عَشَرَهُ فَرَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ) (عَشَّرَهُ أَيْضًا) لِأَنَّهُ رَجَعَ بِأَمَانٍ جَدِيدٍ، وَكَذَا الْأَخْذُ بَعْدَهُ لَا يُفْضِي إلَى الِاسْتِئْصَالِ.
(وَإِنْ مَرَّ ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَشَّرَ الْخَمْرَ دُونَ الْخِنْزِيرِ) وَقَوْلُهُ عَشَّرَ الْخَمْرَ أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُعَشِّرُهُمَا، لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُمَا، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُعَشِّرُهُمَا، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُمْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُعَشِّرُهُمَا إذَا مَرَّ بِهِمَا جُمْلَةً، كَأَنَّهُ جَعَلَ الْخِنْزِيرَ تَبَعًا لِلْخَمْرِ، فَإِنْ مَرَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ عَشَّرَ الْخَمْرَ دُونَ الْخِنْزِيرِ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ، وَالْخِنْزِيرُ مِنْهَا، وَفِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لَيْسَ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ، وَالْخَمْرُ مِنْهَا، وَلِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْحِمَايَةِ، وَالْمُسْلِمُ يَحْمِي خَمْرَ نَفْسِهِ لِلتَّخْلِيلِ، فَكَذَا يَحْمِيهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَحْمِي خِنْزِيرَ نَفْسِهِ بَلْ يَجِبُ تَسْيِيبُهُ بِالْإِسْلَامِ، فَكَذَا لَا يَحْمِيهِ عَلَى غَيْرِهِ.
(وَلَوْ مَرَّ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ بِمَالٍ فَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ شَيْءٌ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ مَا عَلَى الرَّجُلِ) لِمَا ذَكَرْنَا فِي السَّوَائِمِ.
(وَمَنْ مَرَّ عَلَى عَاشِرٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ مِائَةً أُخْرَى قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ لَمْ يُزَكِّ الَّتِي مَرَّ بِهَا) لِقِلَّتِهَا، وَمَا فِي بَيْتِهِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ حِمَايَتِهِ (وَلَوْ مَرَّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِضَاعَةً لَمْ يُعَشِّرْهَا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِأَدَاءِ زَكَاتِهِ.
قَالَ (وَكَذَا الْمُضَارَبَةُ) يَعْنِي إذَا مَرَّ الْمُضَارِبُ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَوَّلًا: يُعَشِّرُهَا، لِقُوَّةِ حَقِّ الْمُضَارِبِ، حَتَّى لَا يَمْلِكَ رَبُّ الْمَالِ نَهْيَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بَعْدَمَا صَارَ عُرُوضًا، فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ يَبْلُغُ نَصِيبُهُ نِصَابًا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ.
(وَلَوْ مَرَّ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَشَّرَهُ).
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا أَدْرِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا أَمْ لَا؟ وَقِيَاسُ قَوْلِهِ الثَّانِي فِي الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ لَا يُعَشِّرُهُ، لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيمَا فِي يَدِهِ لِلْمَوْلَى، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فَصَارَ كَالْمُضَارِبِ، وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا: إنَّ الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى فَكَانَ هُوَ الْمُحْتَاجَ إلَى الْحِمَايَةِ، وَالْمُضَارِبُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ حَتَّى يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، فَكَانَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ الْمُحْتَاجَ، فَلَا يَكُونُ الرُّجُوعُ فِي الْمُضَارِبِ رُجُوعًا مِنْهُ فِي الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ مَعَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ، لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ أَوْ لِلشُّغْلِ.
قَالَ: (وَمَنْ مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْخَوَارِجِ فِي أَرْضٍ قَدْ غَلَبُوا عَلَيْهَا فَعَشَّرَهُ يُثَنِّي عَلَيْهِ الصَّدَقَةَ) مَعْنَاهُ إذَا مَرَّ عَلَى عَاشِرِ أَهْلِ الْعَدْلِ، لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ - مِنْ - حَيْثُ إنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ.